من الشبكة الفلسطينية العالميّة للصحة النفسيّة
حول ما يجري من عدوان و حصار و قتل في مدن و قرى و مخيمات الوطن
زملائنا المهنيّين\ات العاملين\ات في مجال الصحة النفسيّة حول العالم،
تحيّة الكرامة والحريّة والعدالة لشعبنا و لكل الشعوب المناضلة من أجل تحررها و نيل حقوقها
تستنكر الشبكة الفلسطينية العالمية للصحة النفسية وبشدة الممارسات الوحشيّة التي يقوم بها الاستعمار الإحتلالي الإسرائيلي بأذرعه ومستوطنيه، على أبناء الشعب الفلسطيني. والتي قد قتلت منذ بداية العام 2022 وحتى الآن أكثر من 100 فلسطيني، وقامت بتدمير لممتلكات وتشريد لعائلات، و فرض حصار على مدننا و قرانا و كان آخرها حصار مخيم شعفاط و قرية عناتا.
نوجّه إليكم\ن زميلاتنا و زملائنا اليوم نداءَنا هذا، إيمانًا منّا بأهميّة مهنتنا وبأن عظمتها تكمن في تحريرِ النفس البشريّة من أعباء ظروف أثّرت على تكوينها ونموّها، وبالأساس بإرجاع السيطرة والاقتدار والوكالة (agency) على النفس لصاحبها؛ نرفع نداءنا اليوم في ظل الظروف السيّاسيّة الحاصلة في فلسطين مؤخرًا والتي نرى بأنها تُحيل عملنا كعاملين\ات في مجال الصحة النفسيّة من مُعالجين\ات لأضرار وأذية أحداث الماضي والعبء التاريخي للجوء والتشريد والاحتجاز والفصل، إلى شاهدين\ات على أذىً وأضرار تُصنع وتمارس على النفس الفلسطينية من حولنا يوميًا، في محاولة لتجريدنا نحن من الشعور بالقدرة والفاعليّة والتأثير في واقعنا. ويأتي توجّهنا هذا لكم كانعكاسِ لتمسكنا بدورنا وباقتدارنا وكمحاولة لرفض التنازل عنها، ولإيماننا بتضامنكم وتلاحمكم معنا في دفاعنا عن حقنا في العدل والكرامة.
مُضافةً إلى الممارسات القهرية السابقة التي مسّت وتمس حقوقنا كاملة و أهمها حقنا بالحياة، والعيش بكرامة ، وحقنا بالوصول الى الخدمات الحيوية وتكبيل حرية الحركة والتنقل، والحصار الذي تُكابد غزّة تحمله منذ أكثر من 15 عامًا، وتقطيع أوصال الهوية الجمعية للشعب الفلسطيني؛ نشهد خلال الأشهر الأخيرة تصعيدًا وتكثيفًا للحصار والعدوان الفعليّ والعسكريّ والاعتقالات في كل من نابلس وجنين والقدس وتحديدًا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين منها.
وقد وصلت هذه الممارسات مداها السبت الماضي لدى بدء الحصار على مخيم شعفاط المحاط بجدار الفصل والضم وبحاجز عسكريّ بالرغم من وجوده ضمن ما يسمى بـ"منطقة تابعة لبلدية القدس" ومن حَمْل قاطنيه للإقامة المقدسيّة. ووقع الحصار على سكّان المخيم وبلدة عناتا المُتاخمة له ومُنِع أهالي و قاطني المنطقة الذين يصل عددهم إلى 18,000 لاجئ مُسجّل و130,000 إنسان فلسطيني، من مغادرة المنطقة و منهم العمّال والطلّاب والأطفال والمرضى الذين يحتاجون إلى الخروج من المخيم لتلقي الخدمات الصحيّة والعلاجات ولممارسة حياتهم اليومية. هذا الحصار الخانق و الذي استمر لمدّة 5 أيام متواصلة جابهه أهالي المخيم رغم معاناتهم الشديدة بإعلان العصيان المدنيّ.
وقد رافق هذه الحصارات في مخيم شعفاط ونابلس وجنين وفي مناطق فلسطينية أخرى، تكثيف لاقتحامات قوّات وجنودِ الاحتلال المدارسَ في وقت تواجد الأطفال فيها، واقتحام البيوت ليلًا وقبيل الفجر، وإغراق كليها بالقنابل المسيلة للدموع والتي أدت إلى إصابة الأطفال والمسنين بالاختناق (بينهم رضيعة بعمر 7 أيّامٍ)، كما وتم منع وصول الإسعافات للمناطق المحاصرة، وتكثيف الاعتقالات التي قد طالت أطفال ما دون سن ال10 سنوات.
إن ممارسات الرعب والقتل والخنق المكثّفَين والتنكيل بالناس على الحواجز وإنعدام مساحات الأمان في أي حيّز فلسطيني تشكّل تهديدًا لإمكانية عيش الإنسان الفلسطيني اليوم والأجيال القادمة حياةً كريمة ومستقرة ومتوازنة صحيًا ونفسيًا. بالإضافة للمس بحقّ الأطفال والبشر عمومًا للعيش في بيئة آمنة تتيح النمّو والتطوّر السليمين.
ومن بين ما برز خلال هذا التصعيد، كان استهداف الاستعمار الإحلالي بشكل ممنهج للمدنيين ومنهم الصحافيين وعاملي الصحة والأطباء والمعلمين حتى خلال تأديتهم واجبهم المهني، الأمر الذي لا نراه نحن كاعتباطيّ، بل هو استهدافٌ لإنسانية الفلسطينيّ في محاولةٍ لقتل النفس الفاعلة والمُقتدرة والرافضة للقمع والتي تتفاعل مع واقعها وتحاول أن تأخذ دورها الإنساني والاجتماعي. ويأتي ذلك من خلال تكثيف للترويع وصولًا إلى التصفية، بهدف تحويل الفلسطينيّ إلى ذاتٍ خاملة، خاضعة للاستعمار، لا تقوى على مقاومة قهره، مستهلكة لمضامينه ومنتجاته، وهي الطريقة الوحيدة التي يُسمح لها فيها بالوجود. إنّ هذا التجريد للنفس من نزعتها الطبيعيّة على الفعل والتفاعل هو أمرٌ نرفضه نحن كعاملين في مجال الصحة في فلسطين ونرفض تبنّيه وسنناهض حدوثه مع أي فلسطيني أو أي إنسان في العالم.
وقد أثبتت سنوات النضال الطويلة أن شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، هو شعب حيٌّ لن يستكين ويرفض أن يكون عاجزًا وسيبقى مشتبكًا مع الظلم صوتًا وفعلًا وموقفًا. وما الإستكانة أمام القهر إلا من سمات الفناء، أما الحيويّة والحراك فهي دوالٌ للصحة النفسية وللرغبة بالحياة كما نستحق.
ونحن كمهنيين عاملين في مجال الصحة النفسية واعين أن الواقع السياسيّ هو واقع مؤثر على تشكيل النفس البشرية، يستحيل علينا، بحكم أخلاقيّات مهنتنا، السكوت عن هذا الضرر ونعبّر بهذا عن رفضنا له. ونشدّد أنه لا يمكننا مساعدة نفس على التحرر من أعبائها ونحن مكبّلين بتأثير هيمنة نظام الإماتة الاستعماري وحيلولتها دون سماع وإسماع صوت المستضعفين. فإن الخروج من الحياديّة هو خروج من حالة العجز من أجل الاصطفاف إلى جانب الحق والعدل والمهنيّة، ونحن باتخاذنا موقفًا نعبر عن انحيازنا للعدالة كمهنيين وكفاعلين بالمجتمع الإنساني. ونستهجن وندين ادّعاء المهنيّة من زملاء مزاولين للمهنة فيما تنفيذهم لاعتداءٍ صارخ على العدالة واصطفافهم بجانب الظلم كاقتحام الأخصائي النفسي الكنديّ جوردان بيترسون Jordan Peterson المسجد الأقصى إلى جانب المستوطنين المقتحمين في ظلّ منع المصلين الفلسطينيين من دخوله وممارسة شعائرهم الدينيّة.
وفي ظل إساءة الاستخدام هذه لمفهوم الحيّادية، ندعو لتعضادنا كمهنيين في كافة أماكن تواجدنا في فلسطين التاريخية وأن نكون واعين و مقاومين لهذه السياسة بأشكالها المختلفة
نآزر زملاءنا في الأماكن التي تتعرض للهجوم والحصار في فلسطين، كما ونآزر زملاءنا حول العالم ممن يواجهون قوى القمع الاستعمارية ومحاولات تدمير الصحة النفسية
زملاؤكم
الشبكة الفلسطينيّة العالميّة للصحة النفسيّة